نعيش اليوم في زمن الفتن حيث كثرت المغريات والشبهات، ونحتاج إلى قصة مؤثرة عن الثبات في زمن الفتن للكبار والصغار تعلمنا معنى الصبر والثبات. وتقدم دروسًا عملية في مواجهة تحديات الحياة، والثبات في مواجهة الشبهات
“وَيحَكَ لا تَفتَحْه”

جلست سَديم عند النافذة، تحدّق في السماء الغائمة، وقد بدا على وجهها بعض القلق. جلس حيان إلى جانبها، يراقب صمتها قبل أن يبدأ حديثه بصوت هادئ:
-سديم، هل تعلمين أن الفتن قد تأتي حتى في زمان الصالحين؟
رفعت سديم عينيها نحوه، وقالت:
=كيف ذلك يا حيان؟ ألم يُبعث الصالحون ليكونوا نورًا في الأرض؟
ابتسم حيان بحزن:
-نعم… ولكن عن زينب أم المؤمنين: «..قيل: أَنَهْلِكُ وفِينا الصالحونَ؟ قال: نعم، إذا كَثُرَ الخَبَثُ». [الألباني|صحيح الجامع]
ساد صمت طويل قبل أن تضيف سديم:
=وماذا عن المؤمنين الذين يُصيبهم البلاء رغم صلاحهم؟ أجابها حيان: -ورد عن عائشة -رضي الله عنها- بلفظ: ‹إِذَا ظَهَرَ السُّوءُ فِي الْأَرْضِ، أَنْزَلَ اللهُ بَأسَهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَالِحُونَ, يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسُ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ›.
تابع حيان، وقد ارتسم على وجهه جديّة:
-وفي لفظ لابن حبان في صحيحه: ‹يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بِأَهْلِ نِقْمَتِهِ وَفِيهِمُ الصَّالِحُونَ، فَيُصَابُونَ مَعَهُمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ›. سكت الحيان قليلاً، ثم قال: -الفكرة يا سديم أن الشر قد يطرق الأبواب، وأن الإنسان الصالح قد يُبتلى، فلا تغترّي بصلاحك، فالفتن كثيرة.
جلس الحيان يراقب تحرك سديم، وقد بدا عليها التأمل العميق، ثم قال:
-لقد قال ابن القيم الجوزي: ‹ما رأيت أعظم فتنة من مقاربة الفتنة، وقل أن يقاربها إلا من يقع فيها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه›.
حافة الهاوية
رفعت سديم عينيها إليه بثبات، وأجابت:
=إذن يا حيان، الفتنة لا تحدث عند محاولة الدخول فيها، أو الفضول في تجربتها فقط، بل حتى مجرد الاقتراب منها خطير، وكأنها نار، كل من اقترب منها لا يخرج سالمًا!
هز حيان رأسه موافقاً، وقال:
-بالضبط، ومن حام حول الحمى يوشك أن يسقط فيه.
ابتسمت سديم قليلاً، ثم أخذت نفساً عميقاً وقالت:
=هذا يجعلني أفكر، كثيرون يظنون أن الفضول والاطلاع على الممنوع أو المثير للفتن أمر عابر، لكنهم لا يدركون أنهم بذلك يضعون أقدامهم على حافة الهاوية!
أومأ الحيان، مُضيفًا:
-عن النواس بن سمعان الأنصاري: «ضرَبَ اللهُ مَثلًا صِراطًا مُستَقيمًا، وعلى جَنَبَتَيِ الصِّراطِ سُورانِ، فيهما أبوابٌ مُفتَّحةٌ، وعلى الأبوابِ سُتورٌ مُرخاةٌ، وعلى بابِ الصِّراطِ داعٍ يقولُ: أيُّها النّاسُ، ادخُلوا الصِّراطَ جَميعًا، ولا تَتعَرَّجوا، وداعٍ يَدْعو من فوقِ الصِّراطِ، فإذا أرادَ يَفتَحُ شيئًا من تلك الأبوابِ، قال: وَيحَكَ لا تَفتَحْه؛ فإنَّكَ إنْ تَفتَحْه تَلِجْه، والصِّراطُ الإسلامُ، والسُّورانِ: حُدودُ اللهِ، والأبوابُ المُفتَّحةُ: مَحارمُ اللهِ، وذلك الداعي على رأسِ الصِّراطِ: كتابُ اللهِ، والداعي من فوقِ الصِّراطِ: واعظُ اللهِ في قَلبِ كلِّ مُسلمٍ» [صحيح| أخرجه النسائي وأحمد].
قاطعته سديم قبل أن يسترسل في شرحه، وقالت:
=هذا الكلام يحمل معنىً عميقًا، عُذرًا أخي، دعني أنا أُفسر معاني الحديث-أشرحه-،: الصراط هو الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتوحة محارم الله. أي أن كل شيء محيط بنا له ضوابط، وكل من يعبث بهذه الضوابط يدخل في فتنة أعظم مما يتصور.
تنهد الحيان قائلًا:
-سأُكمل أنا: الداعي على رأس الصراط هو كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم.
ابتسمت سديم بابتسامة، وقالت:
=ألا ترى يا حيان، أن الرسالة هنا لا تتعلق بالخوف فقط، بل بالوعي، أن ندرك حدودنا، أن نحترم محارم الله، وأن لا نجرب ما قد يكون سببًا في ابتلاعنا، هذا وعيٌ يحمي قلوبنا قبل أجسادنا.
جلس الحيان يحدّق في الأفق، والهمّ في قلبه يثقل كاهله، ثم قال:
-سمعت حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ويلٌ للعربِ مِن شرٍّ قدِ اقتَرَب فتنًا كقِطعِ الليلِ المُظلمِ يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا يبيعُ قومٌ دينَهم بعرضٍ منَ الدنيا قليلُ المتمسِّكِ يومئذٍ بدينِه كالقابضِ على الجمرِ، أو قال: على الشوكِ» [أخرجه أبو داوود وأحمد].
كيف نحمي أنفسنا وأبناءنا من الفتن؟
ابتسمت سديم ببطء، وقالت:
-يا أخي، هذه الكلمات ليست مجرد وصف لما نحن فيه الآن، بل تحذير لكل قلب حيّ. ألا ترى كيف يصبح الإيمان هشًّا كالشعرة بين مصيرين؟ قليل من يتمسك بدينه في زمن الفتن، وقليل من يحمي قلبه من الانجراف في دواماتها!
هزّ الحيان رأسه، وأضاف:
-وهذا يذكّرني بما قال عبدالله بن عمر: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَهو مُسْتَقْبِلُ المَشْرِقِ يقولُ: «أَلا إنَّ الفِتْنَةَ هاهُنا، أَلا إنَّ الفِتْنَةَ هاهُنا، مِن حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطانِ» [صحيح مسلم].
رفعت سديم حاجبها، وقالت بعمق:
=نعم، الفتنة ليست بعيدة، بل تقترب بخفة، في أفكارنا، في أفعالنا، وفي كل ما يحيط بنا. والسؤال: هل نحن مستعدون للثبات أم سنكون من الذين يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا؟
أجابها الحيان بصوت هاديء:
-لذا علينا أن نكون من الذين يقبضون على الجمر صامدين؛ لا نبتعد عن حدود الله، ولا نقرب مما حرم.
ابتسمت سديم، وقالت:
=وهنا يكمن سر الفهم: أن ندرك أن الصراع ليس فقط خارجيًا، بل غالبه داخلي؛ أن نعلم أين تقع حدودنا، وأي قرار صغير قد يقربنا من الانحدار، وأن نرفع نداءنا لأنفسنا: «ويحك لا تفتحه».
تنهد الحيان وقال:
-حقًا الوعي هو السلاح الأول، والفتنة مهما بدت بعيدة فهي قريبة من كل قلبٍ ضعيف، والقلب القوي فقط هو من يثبّت في دينه ويصمد.
جلس الحيان على أريكته، ثم قال وهو يفتح كتابًا وينظر إلى صفحةٍ تتحدث عن فتن آخر الزمان:
-ومن الفتن التي تظهر في آخر الزمان الملحمة الكبرى!
أتصدّقين أن المسلمين في آخر الزمان سيصالحون الروم صلحًا آمِنًا، ثم تُجمع لهم الملحمة الكبرى، حيث يُرفع الصليب فيغضب المسلم، وتبدأ المعركة!
عن رجل من الصحابة: «ستُصالِحونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا، فتَغزُونَ أنتم وهُمْ عَدُوًّا مِن وَرائِكُم، فتُنْصَرون وتَغْنَمون وتَسْلَمون، ثُمَّ تَرْجِعون حتّى تَنزِلوا بمَرْجٍ ذي تُلُولٍ، فيَرفَعُ رَجُلٌ مِن أهْلِ النَّصرانيَّةِ الصَّليبَ، فيَقولُ: غَلَبَ الصَّليبُ! فيَغضَبُ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمينَ فيَدُقُّهُ، فعندَ ذلكَ تَغْدِرُ الرُّومُ، وتَجْمَعُ للمَلْحَمةِ» [الألباني|صحيح أبي داوود].
تنهدت سديم، وأمالت رأسها إلى الخلف، ثم قالت ببطء:
=حيان، هذا ليس مجرد خبر عن الحرب، بل هو درسٌ عميق لكل من يقرأه ويعقله! انظُر كيف يُحاك الصراع بين الحق والباطل، بين الإيمان والفتنة، وعن غيره المُسلم على دينه وعقيدته حتى قبل أن يبدأ القتال. كل فعلٍ صغير في حياتنا يمكن أن يكون جزءًا من هذه المعركة الكبرى، إن فهمناها بعقلٍ يقظ.
أومأ الحيان برأسه وقال:
-وهذا يذكّرني بما رُوي عن أبي هريرة: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ، أوْ بدابِقٍ، فَيَخْرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ، مِن خِيارِ أهْلِ الأرْضِ يَومَئذٍ، فإذا تَصافُّوا، قالتِ الرُّومُ: خَلُّوا بيْنَنا وبيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنّا نُقاتِلْهُمْ، فيَقولُ المُسْلِمُونَ: لا، واللَّهِ لا نُخَلِّي بيْنَكُمْ وبيْنَ إخْوانِنا، فيُقاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللَّهُ عليهم أبَدًا، ويُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أفْضَلُ الشُّهَداءِ عِنْدَ اللهِ، ويَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لا يُفْتَنُونَ أبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبيْنَما هُمْ يَقْتَسِمُونَ الغَنائِمَ، قدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بالزَّيْتُونِ، إذْ صاحَ فِيهِمِ الشَّيْطانُ: إنَّ المَسِيحَ قدْ خَلَفَكُمْ في أهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وذلكَ باطِلٌ، فإذا جاؤُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبيْنَما هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسى ابنُ مَرْيَمَ ﷺ، فأمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلوْ تَرَكَهُ لانْذابَ حتّى يَهْلِكَ، ولَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بيَدِهِ، فيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ» [صحيح مسلم].
الموقف الحاسم: الثبات على الحق
-تحدث أبو هريرة عن نزول الروم بالأعماق، وخروج جَيْشٍ من المدينة ممن هم خِيار أهل الأرض، وكيف يُصفون القتال ويثبتون على مبدأهم، وفي النهاية، ينزل عيسى ﷺ، ليحق الحق ويذيب الظلم.
ابتسمت سديم وقالت بعمق:
=وهنا يا حيان، يجب أن نفهم السر في كل هذا كله: ليس فقط في الأحداث الكبرى، بل في موقف القلب. هل سنصمد عند الفتنة؟ هل سنثبت على ديننا؟ كثير من الناس يُهزمون داخليًا قبل أن يبدأ القتال الخارجي!
قال حيان بتأمل:
-وماذا عن معاذ بن جبلٍ حين قال، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «عُمْرانُ بيتِ القُدْسِ خرابُ يَثْرِبَ، وخرابُ يَثْرِبَ خروجُ المَلحَمَةِ، وخُروجُ المَلْحَمةِ فَتْحُ القُسْطَنْطينيَّةِ، وفَتْحُ القُسْطَنْطينيَّةِ خروجُ الدَّجّالِ، ثمَّ ضرَب بيدِه على فخِذِ الَّذي حدَّثه أو مَنْكِبَيْهِ، ثمَّ قال: إنَّ هذا الحقُّ كما أنَّكَ هاهنا» [ابن كثير|أخرجه أبو داوود وأحمد|إسناده صحيح]
ذروة الأحداث: الاختبار الصعب
-ذكر مُعاذ بن جبل أن خراب يثرب وخروج الملحمة وفتح القسطنطينية وخروج الدجال مرتبطةٌ، وأن الأمر متسلسل، كما لو أن كل حدث يهييء الأمر للحدث التالي.
ردّت سديم بحزم وعيونها تلمع بالانتباه:
تمامًا! وكل فقرة في هذه الأحاديث تفتح أمامنا بابًا للتفكر، الملحمة الكبرى ليست مجرد أحداث بعيدة، بل هي انعكاس لكل فتنة صغيرة تظهر في حياتنا اليومية، دمشق يوم الملحمة هي مركز المؤمنين،
كما يقول مكحول: «فُسطاطُ المؤمنين يومَ الملحمةِ الكبرى بالغُوطةِ مدينةٌ يقال لها: دمشقُ» [ابن رجب|أخرجه أبو داوود].
=فكُل مكان حولنا يمكن أن يكون مركزنا الذي نثبت فيه على الإيمان، وبمعنىً أوضح أنه لا مكان مُحدد لنزيد فيه إيماننا، بل إن الواحد منا يستطيع جعل أي مكان يسير فيه مركزًا له في إيمانه، ولا يحتج بالمكان!
هزّ الحيان رأسه ببطء، وقال:
-أرى الآن أن كل حديث، كل تحذير، وكل صورة حية للملحمة الكبرى، ليس فقط لنعرف ما سيحدث في المُستقبل من فتنٍ عظيمة، بل ليعلّمنا الثبات، والوعي، والانتباه للفتن الصغيرة التي تؤدي إلى الفتن الكبيرة، وأن نقف على حدود الله بلا تهاون.
مدد حيان على الأريكة، يعبث بخيوط تفكيره، ثم قال بصوت منخفض: –
-فتنة المسيح الدجال، أعظم فتنة، كما قال ﷺ. كل الخلق منذ آدم وحتى قيام الساعة، لم يمروا بفتنة أشد منها!
رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: «ما من خَلقِ آدمَ إلى قيامِ السّاعةِ فتنةٌ أعظمُ منَ فتنةِ المسيحِ الدَّجّالِ» [ابن تيمية|مجموع الفتاوي].
مالت سديم للأمام، وعيناها متأملتان، ثم قالت بهدوء:
=ذلك يعني أن القلب وحده معرض للخطر، الإنسان قد يكون في أمان في الظاهر، لكنه في داخله يتأرجح بين الحق والباطل، بين الصبر والانقياد.
تنهد الحيان، ثم تابع:
-عن أبي هريرة، أن رسول الله-ﷺ-قال: «استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ ومن فتنةِ المَحيا والمماتِ ومن فتنةِ المسيحِ الدَّجّالِ» [أبو نعيم|حلية الأولياء].
ابتسمت سديم بتأمل، وقالت:
-الاستعاذة ليست مجرد كلمات، إنها حصن القلب، فتنة الدجال ليست فقط خداعًا خارجيًا، بل اختبارًا داخليًا، لمعرفة من يثبت على الإيمان ومن ينهار فيه ذلك الحصن الهش الذي ظنه منيعًا.
نظر الحيان بعيدًا، وقال:
-وكأن كل فتنة، كل حدث، وكل اختبار، يرسم الطريق نحو الصدق مع النفس، نحو الثبات. فالملحمة الكبرى، وفتنة الدجال كل واحدة لها طابعها الخاص، لكنها كلها تختبر القلب.
هزّت سديم رأسها ببطء، وأضافت:
-وفي هذا، تكمن الحكمة. من يعرف حدود الله ويحفظها في قلبه، ومن يتدرب على الثبات الآن، لن يغتر عند ظهور الفتن الكبرى-بإذن الله-.
جلس الحيان متأملًا، عيناه تتتبعان خطوط الأفق الظاهرة بوضوح من نافذة الغُرفة، ثم قال بصوت خافت:
-بعد فتنة الدجال، هناك يأجوج ومأجوج، هُم قوة هائلة، لا يتركون شيئًا دون أن يمرّوا عليه.
أمالت سديم رأسها، وتلك الابتسامة الهادئة تعكس تفكيرها العميق:
=إنهم اختبارٌ آخر، ليس لقوتنا الجسدية أبدًا، بل لقوتنا النفسية، للإيمان، للصبر، فكل من يثبت على الحق، يحفظه الله.
كما قيل في الحديث، عن النواس بن سمعان الأنصاري: «ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلكَ فِينَا، فَقالَ: ما شَأْنُكُمْ؟ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فيه وَرَفَّعْتَ، حتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي علَيْكُم، إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فأنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتي علَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّه شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما لَبْثُهُ في الأرْضِ؟
يوم كسنة ويوم كشهر
قالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، فَذلكَ اليَوْمُ الذي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فيه صَلَاةُ يَومٍ؟ قالَ: لَا، اقْدُرُوا له قَدْرَهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، وَما إِسْرَاعُهُ في الأرْضِ؟ قالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتي علَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فيُؤْمِنُونَ به وَيَسْتَجِيبُونَ له، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عليه قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عنْهمْ، فيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ ليسَ بأَيْدِيهِمْ شيءٌ مِن أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بالخَرِبَةِ، فيَقولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ.
نبي الله عيسى بن مريم وأخر الزمان
فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ علَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتَّى يُدْرِكَهُ ببَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ منه، فَيَمْسَحُ عن وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بدَرَجَاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إلى عِيسَى: إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيَقولونَ: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حتَّى يَكونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِن مِئَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ اليَومَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ، فيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى الأرْضِ، فلا يَجِدُونَ في الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إلى اللهِ، فيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ منه بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأرْضَ حتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَومَئذٍ تَأْكُلُ العِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ في الرِّسْلِ، حتَّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعليهم تَقُومُ السَّاعَةُ. ٧٤٨٤- [١١١-…]
لكل فتنة نهاية
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، وَالْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قالَ ابنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَديثُ أَحَدِهِما في حَديثِ الآخَرِ، عن عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، بهذا الإسْنَادِ، نَحْوَ ما ذَكَرْنَا. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: <وَيبعَثُ اللَّه يَأجُوجَ ومَأجُوجَ {وَهُّم مِنْ كُلِ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} فَيْمُر أَوَائِلُهُم عَلَىٰ بُحِيرَةِ طَبَرِية، فَيشرَبُون مَا فِيهَا، وَيْمُر آخِرُهُم فَيقُول: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حتَّى يَنْتَهُوا إلى جَبَلِ الخَمَرِ، وَهو جَبَلُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فيَقولونَ: لقَدْ قَتَلْنَا مَن في الأرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَن في السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بنُشَّابِهِمْ إلى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عليهم نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا وفي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: فإنِّي قدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَيْ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ» [صحيح مسلم]. أكمل الحيان: -رُوي أن خروجهم من كل حدب، وأنهم يمرّون على البحيرات، ينهبون كل ما في طريقهم… وكل ذلك، قبل أن يبعث الله الرحماء من عباده>.
الملحمة الكبرى
ردت سديم، بصوت هاديء:
=إنها محنة شاملة، الأرض نفسها تُختبر، الناس، كل شيء. لكن الحكمة تكمن في الثبات، وفي معرفة أن كل مشهد من هذه الفتن له نهاية، وأن الله يُخلّص عباده المؤمنين، ويُغربل الناس أجمعين ليُميز الخبيث من الطيب، المنافق من المؤمن!
ابتسم الحيان، وقال:
-وكأن كل فتنة تمثل دربًا طويلًا من التجارب، من الملحمة الكبرى، إلى الدجال، ثم يأجوج ومأجوج… وكلها تختبر القوة الداخلية، وليس الجسدية فحسب، بل رُبما أنها في أحيانٍ كثيرة لا تختبر قوتنا الجسدية البتة.
أومأت سديم برأسها:
-الدرس الأكبر هو أن الإنسان يدرك قيمة الثبات الآن، قبل أن تأتي الفتن الكبرى، أن يتدرب على الصبر، على اليقين، على الإيمان، فالقلب المحصن وحده، من سيبقى صامدًا. صمتا للحظة، كأنهما يستوعبان عظمة المشهد، ثم عادت الأنفاس ببطء، بينما المشهد في ذهنهما يملؤه شعورٌ بالرهبة، لكنه مزيج من الأمل واليقين.
جلس الحيان متأملًا بعد سرد فتنة يأجوج ومأجوج، ثم قال:
-سَديم، بعد كل هذه المشاهد، كيف للإنسان أن يحمي نفسه من هذه الفتن؟
ابتسمت سديم، وعيناها تنيران بفكرها العميق:
=الحياة كلها امتحان، والسعيد من جُنِّب الفتن.
كما أخبرنا المقداد بن الأسود، عن النبي ﷺ قال: «إِنَّ السَّعَيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَن» الطريق واضح، لكنه يتطلب يقظة مستمرة.
الاعتصام بكتاب الله وسنته
أكمل الحيان:
-وهل يكفي مجرد تجنب الفتن الكبرى؟
هزّت سديم رأسها نفيًا:
=كلا، يجب أن يكون الإنسان مُتصلًا بكتاب الله وسنة نبيه، يعتصم بهما.
كما قال الإمام مالك: ‹السنة سفينة نوح، فمن ركبها نجا ومن تركها هلك وغرق›.
وليس الأمر مجرد تقليد، بل فهم وعمَل… عمل بطاعة الله على نور من الله، وترك المعصية على نور من الله، رجاء رحمة الله وخوفٌ من عقابه.
نظر الحيان إلى الأفق، وكأنه يستوعب المعنى:
-يعني أن الثبات في قلب الإنسان لا يُقاس فقط بعدم الوقوع في الفتن، بل بفهم الطريق والاعتصام بما يقيه!
أضافت سديم، بصوت هادئ وحازم:
=بالضبط! التقوى ليست مجرد شعور، بل حياة يومية، معرفة أن كل اختيار صغير أو كبير يمكن أن يُقربك من الحق أو يجرّك نحو الفتنة، كلما زادت يقظتك، زادت حمايتك. صمتا قليلًا، حيث شعرا معًا بأن الفهم العميق للتقوى والاعتصام بالكتاب والسنة هو الدرع الحقيقي أمام أي فتنة، مهما عظمت.
كيف نتقي الفتن والشرور
جلس حيان بجانب سديم بعد مرور الوقت الطويل على حديثهما عن الفتن الكبرى ثم قال:
-سَديم، يبدو أن الفتن لا تتوقف، كيف للإنسان أن يمضي في حياته مطمئنًا وسط كل هذه المِحن؟
أجابت سديم بصوت هادئ وقور:
=الطريق واضح، لكنه يحتاج إلى رفقٍ وأناة! العجلة لا تأتي بالخير، والتأني والرفق يقودان إلى بركةٍ وعواقب حميدة، ومن يندفع في أموره اندفاعًا، يفتح على نفسه باب الزلل والانحراف، ومن يتأمل في تصرفاته ويزن العواقب، يصل بإذن الله إلى ما يُسعده في الدنيا والآخرة.
تنهدت وقالت:
=لما وقعت الفتنة في زمن التابعين أتَى نفر من النصحاء إلى طلق بن حبيب وقالوا: ‹قد وقعت الفتنة فكيف نتقيها؟ فقال: اتقوها بالتقوى، قالوا: أجمل لنا التقوى؟ قال: <تقوى الله: عملٌ بطاعة الله على نور من الله رجاء رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عقاب الله>.
أومأ حيان برأسه، وقال:
-وهل يكفي ذلك؟
أضافت سديم:
=كلا، هناك ضوابط أخرى مهمة.
كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتُؤَدَة، فإنَّك أَن تكون تابعًا في الخير، خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر”.
ومن يندفع ويتهور في معالجة الأمور ويبتعد عن سبيل الأناة والتؤدة يفتح على نفسه وعلى غيره من عباد الله بابًا من الشر والبلاء يتحمل وزره ويبوء بإثمه ويجني عاقبته الوخيمة.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ» [الألباني|صحيح جامع].
=ومن يندفع بتهور يفتح لنفسه ولغيره باب الشر والبلاء، فليحرص كل منا أن يكون مفتاحًا للخير.
نظر الحيان إلى السماء متأملًا، وقال:
-وماذا أيضًا؟
التحذير من الفرقة
ابتسمت سديم وقالت:
=لزوم جماعة المسلمين يقوي الروابط ويحقق التعاون على البر والتقوى، ويبعد عن الشرور والفتن. وأما الخلاف فإنَّه يجر عليهم شرورًا كثيرة وأضرارًا عديدة وبلاءً لا يحمدون عاقبته، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غير ما حديث الوصيةُ بلزوم الجماعة والتحذير من الفرقة.
قال ﷺ: «الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ» ، وقال ﷺ : «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ»، وقال ﷺ: «يَد اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ»، وقال ﷺ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا».
أضافت سديم وهي تُشير بعينيها إلى الحيان:
أهمية الدعاء في مواجهة الفتن
=ومن الضوابط المهمة لتجنب الفتن: حسنُ الصلة بالله ودعاؤه سبحانه، فإنَّ الدعاء مفتاح كلِّ خير في الدنيا والآخرة، ولاسيما سؤال الله تبارك وتعالى أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، والتعوذ به سبحانه من مضلات الفتن، فإن من استعاذ بالله أعاذه، ومن سأل الله أعطاه، فإنَّه سبحانه لا يخيب عبدًا دعاه ولا يرد عبدًا ناداه، وهو القائل سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..}.
تنهدت بعُمق، واسترسلت بابتسامة: =ولا ننسى أهمية طلب العلمِ وأخذه عن العلماء الراسخين والأئمة المحققين وترك الأخذ عن الأصاغر من الناشئين في طلب العلم المقلِّين في التحصيل منه، يقول ﷺ: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» فالبركة مع الأكابر الذين رسخت أقدامهم في العلم وطالت مدتهم في تحصيله وأصبح لهم مكانة في الأمة بما آتاهم الله من العلم والحكمة والرزانة والأناة والنظر في عواقب الأمور، فعن هؤلاء أمرنا أن نأخذ، فمن كان مُعَوِّلاً على هؤلاء أمن الفتنة وحمد العاقبة.
قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83]
صمتا للحظة، وجلس الحيان يتأمل كلمات سَديم، مستشعرًا عمق المعاني التي حملتها: التقوى، الصبر، الاعتصام بالكتاب والسنة، جماعة المسلمين، الدعاء، وحصانة العلم الراسخ…
كل ذلك إنما هو بمثابة درع يحمي قلب الإنسان وعقله من كل فتنة قد تظهر.
تساؤلات:
والآن عزيزي القاريء، أخبرني:
أأنت مُستعدٌ لتلك الفتن؟ أأنت جاهزٌ لتبتعد عنها؟ أم أنك تُفتن بكُل صغيرةٍ وكبيرةٍ لا تقوَ على الابتعاد عنها؟
تُرى هل سيكون لك من بين رفاقك رفيقٌ واحدٌ يُعينك على الفتنة؟ أم أن جميع رفاقك ينهرونك حينما تحاول الابتعاد عن الفتن وعمل بعض الصالحات؟
أأنت مُستعدٌ لمواجهة فتنة الملحمة الكُبرى؟ أم أنك قد ترتدُ في آخر أنفاسك وتموت كافرًا؟
أأنت مُستعدٌ لفتنة المسيح الدجال؟ أم أنك ستؤمن به وتدخل جنته التي هي نار الله؟
أأنت مُستعدٌ لفتنة يأجوج ومأجوج؟
إذن:
عليك أن تعلم يا فتى أن أفضل طريقةٍ لتجنب الفتن هي الابتعاد تمامًا عنها، والابتعاد تمامًا عن كل من يُعينك على الاقتراب منها، إياك أن تقرب الفتنة، لا أحد منا كبيرٌ على الفتنة، رُبما تجدني اليوم أنصحك، ثم تجدني مُنتكسةً لأنني قاربت الفتنة حتى سقطت فيها، لذا حذارِ من مخالطة الفتنة، حذارِ.
«إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إنَّ السعيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، ولَمَن ابتُلِيَ فصَبَر؛ فَواهًا» [الألباني|إسناده صحيح].
-روان ابنة مَمدُوح.
الدروس المستفادة من القصة للكبار والصغار:
الثبات على الحق هو طريق النجاة
- مهما كثرت المغريات والشبهات في زمن الفتن، يبقى الصبر والثبات هما السلاح الأقوى.
التربية على القيم من الصغر تحمي الكبار والصغار
- حين نربي أبناءنا على الإيمان والصدق، يكونون أكثر قدرة على مواجهة الفتن المعاصرة.
الصبر على الشهوات أصعب من الصبر على البلاء
- كثيرون يصبرون عند المصائب، لكن القليل من يصبرون عند الإغراءات، وهنا يظهر المؤمن الحق.
الفتن سنة من سنن الحياة
- لا يمكن الهروب من الفتن، لكن يمكن مواجهتها بالعلم، والوعي، وحسن التوكل على الله.
كل موقف هو اختبار للإيمان
- كما في القصة، قد تأتي لحظة تعرض فيها على الإنسان فرصًا سريعة لكنها باطلة، وهنا يكون الاختبار الحقيقي.
قصص الفتن ليست مجرد حكايات
العبرة من قصة زمن الفتن الحالي
“العبرة من هذه القصة أن زمن الفتن ليس مجرد زمن نقرأ عنه في الكتب، بل هو واقع نعيشه اليوم. المغريات، الشهوات، وضغوط الحياة قد تزلزل القلوب، لكن المؤمن الحق هو من يثبت على طريق الله. القصة تذكرنا أن الصبر والثبات هما طريق النجاة، وأن التربية الصالحة للأبناء هي الحصن الذي يحميهم من الانجراف وراء الباطل. فالعبرة أن النجاة لا تكون بكثرة المال أو اتباع الناس، بل بالتمسك بالحق والإيمان مهما كانت التضحيات.”
ما معنى زمن الفتن؟
لماذا نحتاج إلى قصص عن الفتن في حياتنا؟
ما هي أبرز العبرة من قصة زمن الفتن؟
هل تصلح هذه القصة للأطفال أم للكبار فقط؟
كيف تساعد القصص الدينية على مواجهة الفتن؟
ما الفرق بين الصبر على الفتن والصبر على البلاء؟
هل قراءة القصص تعزز التربية الإيمانية للأبناء؟
ما الدروس التربوية التي نستفيدها من قصص الفتن؟
هل قصص زمن الفتن مرتبطة بواقعنا اليوم؟
كيف أستفيد من قصة زمن الفتن في حياتي اليومية؟
الخاتمة
في زمنٍ تتلاطم فيه الفتن من كل جانب، تبقى القصة خير مرآة تعكس لنا حقيقة الحياة وتعلمنا كيف نتمسك بالثبات والإيمان. قصة اليوم لم تكن مجرد حكاية، بل كانت دعوة للتأمل والتفكر في واقعنا، ورسالة واضحة بأن النجاة ليست بكثرة المال أو المنصب أو الشهرة، وإنما بالصدق مع الله وحسن التوكل عليه.
لقد أدركنا أن الفتن ستظل باقية ما بقيت الدنيا، لكن من يستضيء بنور الوحي ويتمسك بالقيم الراسخة سيكون أكثر ثباتًا وأقدر على مواجهة الإغراءات. والعبرة الكبرى أن من جعل الله غايته، جعل الله له من كل فتنة مخرجًا.
فلنجعل هذه القصة نبراسًا نهتدي به، ونغرس معانيها في قلوبنا وقلوب أبنائنا، حتى نواجه معًا تحديات هذا العصر بإيمان راسخ، ويقين ثابت، ووعيٍ يحصننا من الانجراف وراء زخارف الدنيا وزينتها.
المصادر الدرر السنية