ومن هنا نجد أن مفتاح التربية الصحيحة هو الجمع بين الاثنين، فالتغذية الجسدية تضمن البقاء، أما التغذية العاطفية للأطفال فتبني الحياة بمعناها العميق.
أول ما يخطر في عقلك كأم عندما تفكرين في تربية أطفالك، الاهتمام بالطعام الصحي والنمو الجسدي لهم، ولكن هناك جانب آخر قد تنسيه لا يقل أهمية: التغذية العاطفية للأطفال: ماذا تقدمين لطفلك إلى جانب الطعام؟
إنها العنصر الخفي الذي يجعل أطفالك سعداء، أصحاء نفسياً، واثقين ومستقرين عاطفياً، فكما يحتاج الجسد إلى الفيتامينات، يحتاج القلب إلى الحب، والحنان، والتواصل الإيجابي الفعّال.
في هذه المقالة، سأخبرك عزيزتي الأم عن مفهوم التغذية العاطفية، وأضيء لك على أهميتها في حياة طفلك الغالي، الفرق بينها وبين التغذية الجسدية، بالإضافة لأمثلة وأنشطة عملية لتعزيز هذا النوع من الغذاء الروحي.

ما هي التغذية العاطفية للأطفال؟
هي الاستجابة الداعمة لاحتياجات الطفل النفسية و العاطفية.
وبعكس المفهوم السائد، التغذية العاطفية لا تُمنح بالكلمات اللطيفة فقط، بل تشمل نظرات العين، الحضن، التقدير، وحتى الوقت المخصص للعب والحديث معهم.
أشارت دراسة في مجلة “Journal of child psychology and psychiatry” أن الأطفال الذين تلقوا استجابة عاطفية من الأبوين في المراحل المبكرة كانوا أكثر قدرة على مواجهة الضغوط النفسية لاحقاً.
الفرق بين التغذية العاطفية و التغذية الجسدية:
-تهدف التغذية العاطفية لبناء شخصية الطفل، و ذكاءه العاطفي، أما التغذية الجسدية فتهتم بنمو جسده و تطوره.
-يمكنك تأمين الغذاء العاطفي لطفلك عن طريق: الكلمات، الأحضان، الإصغاء، وقضاء الوقت المشترك معاً. أما الغذاء الجسدي فيكون بتأمين الطعام و الشراب له.
-ما يحصل عليه طفلك عند الاكتفاء عاطفياً هو نفسية مستقرة، علاقات صحية، و ثقة بالنفس لا يزعزعها شيء، أما جسدياً فيحصل على جسم سليم و نشيط.
-إن لم يحصل على تغذية عاطفية كافية فسيتعرض طفلك لاضطرابات سلوكية، قلق، وضعف في التواصل، أما نقص الغذاء الجسدي فسيؤدي لضعف مناعة، أمراض وانحفاض الطاقة.
كيف تعززي التغذية العاطفية لطفلك؟
عن طريق:
- الحب الغير مشروط: فلا تخبريه أنك ستتوقفي عن حبه إذا قام بفعل ما.
- الشعور بالأمان: أكثر ما يجعل شخصية الطفل ضعيفة و مهزوزة هو عدم شعوره بالأمان الكافي، فحاولي كأم أن تكوني الحضن الآمن له في كل وقت.
- الاعتراف بالمشاعر: أخبري طفلك دائماً أنك تحبيه، وعوديه على إخبارك بحبه كلما شعر بالحاجة لذلك.
- الاحترام: لا تقولي إنه طفل ولن يفهم، احترمي طفلك مهما بلغ عمره، انظري له نظرات حب و فخر.
أمثلة على سلوكيات عاطفية صحية يمكن تقديمها لطفلك:
- ١-الاستماع الفعال: يُحب الطفل أن يشعر بأنه مسموع، و محط اهتمام، لذا أصغي له عندما يتحدث و انظري في عينيه دون مقاطعة أو أحكام مسبقة.
- ٢- الأحضان و اللمسات: يُفرز الحضن اليومي هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن تعزيز مشاعر الارتباط و الأمان، فلا تحرميه من لمسة حانية، أو حضن دافئ.
- ٣- التقدير العاطفي: من السهل أن تقولي له: ” أنا فخورة بك” كلمات بسيطة، لكنها تحمل أثر عظيم في قلبه.
- ٤- مشاركة الإنجازات الصغيرة: احتفلي معه عندما يرتب غرفته، عندما يقرر أن يتابع دروسه من دون متابعة منك، هذا يساعد في تعزيز شعور الإنجاز و الدافع الذاتي لديه.
- ٥- تكرار العبارات الإيجابية: مثل ” أنت مميز، أنت طفلي الغالي” لها تأثير فعال،و طويل الأمد.
- ٦- تشجيع التعبير عن المشاعر: بدلاً من كبت الغضب، الحزن، المشاعر السلبية، علّميه أن يصفها بالكلمات، مما يدعم ذكاءه العاطفي.
أنشطة لتعزيز التواصل بين الأبناء و الأهل:
- قضاء الوقت سوياً من دون شاشات:
خصصي وقت يومياً للجلوس مع أطفالك سواء للعب أو النقاش أو قراءة قصة، ابدأي بـ ١٠ د و زيدي عليها لاحقاً حسب
ما يسمح وقتك، هذه الدقائق البسيطة تحفز الترابط و تشعر الطفل بأهميته لدى والديه.
- اسألي طفلك في نهاية كل يوم عن أفضل شعور شعر به خلال يومه؟ وما أصعب شعور؟ و شاركيه تجربتك أيضاً.
- خصصي له كراسة ليكتب فيها مشاعره، يرسم فيها ما يحس به، هذا النشاط يسهل عليه التعبير عما بداخله من دون خجل.
لماذا يجب أن تعتبري التغذية العاطفية لأطفالك أولوية؟
- تعزز ثقة الطفل بنفسه: عندما يشعر بأنه محبوب ومقبول من دون شروط.
- تقلل من سلوكه العدواني: الطفل المشبع عاطفياً أقل عرضة للقلق و الاكتئاب و بالتالي سلوكيات عدوانية انسحابية.
- تقوي الروابط الأسرية: لأنها تعتمد على التواصل و الاتصال و ليس السيطرة.
- تبني أسس التربية الواعية: حيث تكون العلاقة مبينة على التفاهم و ليس العقاب.
الفرق بين الاحتياج الطبيعي والتعلق المرضي:
من أكبر التحديات التي تواجه الآباء و الأمهات كيفية التفريق بين الاحتياج الطبيعي العاطفي للطفل و التعلق المرضي.
فهو بطبيعته يحتاج للحب، الدعم، والاهتمام. و لكن عندما تلبى هذه الاحتياجات بشكل غير متوازن يمكن أن يتحول لتعلق زائد يعيق استقلاليته.
الاحتياج الطبيعي يتثمل في سعي الطفل للشعور بالأمان و التقدير، فيطلب الاهتمام، و يطمئن حينما يحصل عليه.
أما التعلق المرضي يظهر حينما يعتمد الطفل كلياً على والديه في كل موقف، و يشعر بالخوف الشديد من الفقد أو الانفصال عنهما، و هذا من أكثر الأسباب المعيقة لتطوره العاطفي و الاجتماعي.
لذا من المهم الموازنة الصحية ببن الحضور و الدعم من جهة، وترك مساحة للطفل ليكتشف ذاته و يتعلم الاعتماد على نفسه من جهة أخرى.
كيف نمنح أبناءنا عاطفة صحية دون تدليل مفرط؟
التغذية العاطفية للأطفال لا تعني التدليل المفرط لهم، بل تربيتهم على الحب المقرون بالحدود. ولتحقيق ذلك يمكن:
-ربط الحب بالشخص و ليس بالسلوك:
قولي”أنا أحبك مهما كانت نتيجة امتحانك، حتى لو أخطأت” لتبنى الثقة من دون الخوف من فقدان الحب.
-ضعي حدودك الواضحة بهدوء:
تعلمي قول لا مع ذكر السبب، فلا مانع من الرفض الحازم، يحتاج الطفل للحدود حتى يشعر بالأمان.
-شجعي التعبير لا التعلق:
ساعدي طفلك على حل مشكلاته بنفسه، فلا تتدخلي في كل نزاع، هذا تدريب غير مباشر على التعبير على النفس.
علامات نقص التغذية العاطفية لدى الأطفال
من واجبات الوالدين أن ينتبهوا لعلامات نقص التغذية العاطفية لدى أطفالهم، فهي لا تكون واضحة دائماً، لكن أثرها كبير على المدى البعيد:
-فرط التعلق بالأهل أو المدرسات.
-ضعف الثقة بالنفس.
-الخوف من المواجهة.
-السلوكيات العدوانية أو نوبات الغضب.
-الخوف من العقاب أو الرفض.
-الحاجة المتكررة لإثبات الذات أو نيل إعجاب الآخرين.
– التراجع الدراسي.
متى تكون العاطفة لأولادنا سامة؟
حين تتحول مشاعر الحب لسيطرة، أو حين يستخدم الحنان كوسيلة للتلاعب بالطفل و إشعاره بالذنب فهنا تتحول العاطفة لعاطفة سامة توذي الطفل بدلاً من أن تنفعه.
و من أهم المظاهر الني تدل عليها:
–الابتزاز العاطفي: كأن تقول “أنا أتعب من أجلك، لا تغضبني” فيشعر الطفل بالذنب دائماً.
– التعاطف المبالغ فيه حتى مع الأخطاء: مما يؤدي لشخصية هشة و غير مسؤولة.
– عدم احترام استقلاليته: مثل رفض رغباته لمجرد أنها لا تناسبك، رغم عدم وجود أي أذى أو ضرر سيعود عليه.
– الحماية الزائدة: والتي تمنعه من التعامل مع التحديات أو الإخفاقات.
التغذية العاطفية الصحيحة يجب أن تكون داعمة، من دون شروط، وفيها مساحة للطفل ليخوض تجربته بنفسه.
هل توجد تطبيقات أو أدوات ذكية تساعد الآباء في متابعة التغذية العاطفية
Daily Growth: تطبيق يقدم نصائح مبنية على الأدلة، ويُرسل رسائل يومية يستنير بها الأهل في مواقف مثل وقت النوم أو الوجبات داخل التطبيق أمامهم .
تطبيقات التنمية الاجتماعية-العاطفية (SEL) مثل Smiling Mind وCalm Kids تساعد الأطفال على التعرف على مشاعرهم وتنميتها بطريقة ممتعة ومنظمة .
هذه الأدوات تجعلك تتواصل مع طفلك بعنايةٍ أكبر، حتى في زحمة اليوم.
ما دور القصص والحكايات في تقديم تغذية عاطفية للأطفال قبل النوم؟
تخلق بيئة آمنة وسط أجواء الحكي، مما يساعد الطفل على الاسترخاء وتعزيز الأمان مع الوالدين .
تُنمي الذكاء العاطفي عبر تعلّمه التعاطف، والتعرف إلى العواطف المختلفة، وفهم العلاقات الاجتماعية .
تُحسّن النوم وتنظيم العواطف، بجانب تعزيز الروابط الأسرية .
كيف يمكن للتغذية العاطفية أن تقلل الحاجة للعلاج النفسي مستقبلًا؟
تدعم الأطفال في التعامل مع مشاعرهم بنفسهم، مما يقلل الإحساس بالضغط والاضطرابات لاحقاً .
الإرشاد والدعم المبكر من الأهل يُظهر أثرًا إيجابيًا طويل المدى، ويخفض احتمال اللجوء للعلاج المكثف مستقبلًا .
باختصار، عندما يكون الأهل داعمين عاطفيًا، يبقى العقل النفسي الطفل في وعي أفضل.
ما أفضل الكتب أو الدورات التي تساعد الوالدين على تقديم تغذية عاطفية فعّالة؟
📚 كتب عربية:
فن تربية الطفل من الولادة حتى الخامسة – أحمد عزمي ضمرة.
كيف تتحدث فيصغي الصغار إليك – ترجمة لأديل فابر وإلين مازليش.
أطلق العملاق من داخل طفلك – د. فاطمة الكتاني
📚 كتب أجنبية:
The Whole-Brain Child – Daniel J. Siegel & Tina Payne Bryson.
Raising an Emotionally Intelligent Child – John Gottman.
🎓 دورات عربية:
دورة التغذية للأطفال – IGTS مع د. أسماء صبري.
برنامج التربية الإيجابية – منصة إدراك.
🎓 دورات أجنبية:
Positive Parenting Solutions – Amy McCready.
The Science of Parenting – Yale University (Coursera).
✏️ سأضيف روابط مباشرة لهذه الكتب والدورات هنا قريبًا ليستفيد القارئ أكثر.
.
كيف يمكن للآباء العاملين تقديم تغذية عاطفية رغم ضيق الوقت؟
اجعل الروتين حاميًا عاطفيًا: مثل أحاديث بعد المدرسة أو لمسة قبل النوم، تجعل الطفل يشعر بأنك موجود نوعيًا. استخدم أدوات ذكية بسيطة: مثل الرسائل الصوتية القصيرة أو التذكيرات اللطيفة التي تُظهر أنك تفكر فيه رغم الانشغال.
التواصل البصري يعزز الأمان اتركي الهاتف جانبا عند التحدث مع ابنك أو ابنتك واشعريه بانك تسمعينه بكل جوارحك وعندما تكونين مشغوله عليك ان تعلميها أنك منشغله ولكنها تستطيع ان تتحدث فانت تسمعينها ولا تجعل هذا الأمر هو الطبيعي بينكما.
لقد لامست تحسنا واضحا مع طفلي عندما استمعت له بود وحب واهتمام واعطاء وقتا خاصة به بعد رجوعه من المدرسة والاستماع له والسؤال عن احواله.
ما هي استراتيجيات التغذية العاطفية التي يستخدمها خبراء التربية الناجحون؟
التسمية العاطفية: يساعدون الطفل على تسمية مشاعره (مثل: أنا غاضب؟ أنا حزين؟) ليتعلم تنظيمها.
الخِطط الصغيرة اليومية: مثل المحافظة على روتين خاص به في المساء أو لعبة مشتركة يومية لجعل العلاقة دافئة. اشعريه أنه ذات أهمية عندك وانك تقدريه وتقدري اهتماماته .
الخاتمة
لا تدعي مسؤوليات الحياة اليومية تنسيك أن أطفالك بحاجة إلى أكثر من الطعام والملبس والمأوى، التغذية العاطفية ليست رفاهية بل ضرورة وحجر أساس في بناء إنسان متزن، قادر على الحب و العطاء. فامنحي طفلك كل الحب، لكن حافظي على مساحته و استقلاليته، اجعليه يشعر أنك قريبة منه، حتى عندما يكون لوحده في مواجهة الحياة، فهنا يكمن التوازن العاطفي الحقيقي.
المصادر:
-كتاب “The Whole-Brain Child” للدكتور دانيال سيجل.
-مجلة “Journal of child psychology and psychiatry.